Wednesday, March 23, 2005

اللهم اجعلنا ممن يكرهون الدنيا!!!

كدت أصطدم بتلك اللحية التي امتدت أسفل ذقن صاحبها لتغطي أزرار جلبابه القصير أثناء دخولي محل الحلاقة بشارعنا العزيز، فوجئت بصديقي الحلاق -على غير عادته- منصتا تمام الإنصات لخطبة الرجل ذو اللحية القصيرة -الخطبة وليست اللحية- والتي علت نبرتها منصبة غضبا على الدنيا ومتاعها الزائل ووجوب الإبتعاد عن هذا المتاع، كان وجه الحلاق معبرا عن مدى تأثره بكلام أخينا الملتحي الذي أنهى خطبته بخروجه من المحل قائلا "اللهم اجعلنا ممن يكرهون الدنيا"، لم أحاول إخفاء نبرة السخرية في صوتي وأنا أودعه قائلا "آآآآآآمين" راسما ابتسامة بلهاء على وجهي.
جلست مفكرا في حديث الرجل الذي أنهاه بدعواه تلك التي صكت أذنيّ، يا الله، وكأنهم لم يكفهم كره أهل الدنيا حتى يتمنوا كره الدنيا ذاتها، تساءلت؛ من أقرب إلى الله؟ من يخطيء آملا المغفرة والرحمة أم من يغرق نفسه بمظاهر التدين ثم يدعو الله ليعطيه القدرة على الكراهية؟، من يدفعه حبه لنسيان العبادات أم من يدفعه تذكرها للكره؟
ما إن لامس الصابون وجهي وأغمضت عينيّ حتى تذكرت قول نجيب محفوظ في أصداء السيرة الذاتية على لسان الشيخ عبدربه التائب:
حب الدنيا آية من أيات الشكر
وعلامة من علامات الصبر
ودليل ولع بكل جميل


"اللهم حببنا في الدنيا حتى نعبدك بقلوب شاكرة"

Sunday, March 20, 2005

مناسبات سخيفة

لاحظت في الفترة الأخيرة أن اهتمام الشعب المصري بالأعياد والمناسبات المستحدثة -كعيد الأم وعيد الحب- قد زاد زيادة متناسبة تناسبا عكسيا مع حركة الإقتصاد القومي العزيز، ما كل هذه الهدايا والأغاني والإهتمام الزائد، أجد أن المصريين لم تعد لديهم القدرة على التمييز بين الضروريات والكماليات
أثبتت الدراسات التاريخة أن التصوف نشأ كرد فعل لترف الحكام وحواشيهم
هل بدأنا نفقد حتى القدرة على المقاومة السلبية؟
ملحوظة: سعدت جدا بصديق تزوج دون أن يقيم احتفالا بزواجه معلقا بقوله: يعني يوم ما هاتجوز بدل ما أدلع نفسي أقوم أصرف على الناس!

Tuesday, March 15, 2005

نزهة

كانت تلك هي الفرصة الأولى التي استطعت اقتناصها هذا العام لمعاودة التمتع بعادتي للسير ليلا في شوارع مصر الجديدة في الشتاء، كانت ولا تزال تلك النزهات المنفردة من أحب الأعمال إلى قلبي منذ ما يربو على الثلاثة عشر سنة، استمتعت بطبق الأرز باللبن بالرغم من قلة كمية القشدة التي لم أستطع الإقلاع عن تناولها يوميا بالرغم من أنها –نظرا لعوامل وراثية- قد تودي بحياتي يوما ما، تغيرت وجوه العاملين بالمحل على مدى عدة سنوات وتغير معها مذاق طبقي المفضل
وضعت يدي في جيوب السترة مستمتعا بتسرب الدفء إليهما، عند مروري بناصية شارع اسماعيل رمزي بدأت الذكريات المتراكمة في محاولاتها للتملص من تراصها الأرشيفي داخل ذاكرتي مفسحة مكان لصبي ذو سروال رمادي وقميص أبيض، هأنذا أراها، يخيل إلى أن اللافتة قد أصبحت أصغر من حجمها المعتاد، بالكاد أرى الكتابة من مكاني على الرصيف المقابل "مدرسة مصر الجديدة الإعدادية للبنين"، لا زلت أذكر هذا اليوم في بداية العام الدراسي على نفس الرصيف وابتسامة أخي الأكبر الحانية تودعني لأستقبل عالما جديدا استقبلني بدوره فاتحا لأبواب عقل ومشاعر طفل صغير يخطو منبهرا عابرا لمحيط دائرته الصغيرة المحدودة
عبرت الشارع متخطيا شريط الترام، أخذت ابتسامتي في الإتساع عند مروري بسور "المريلاند"، لقد كانت تلك الحديقة هي ملاذنا عند الهروب –مبكرا أو في منتصف اليوم الدراسي- من المدرسة والتي ظلت محتفظة بوظيفتها تلك حتى المرحلة الثانوية بالرغم من التطور المرحلى الذى طرأ على تلك "التزويغات" من هروب غير مسبب استغله أغلبنا في لعب الكرة إلى هروب مسبب ومحدد الوقت للقاء فتيات المدارس المحيطة
ظللت لمدة ساعتين تقريبا ما بين سير وجلوس على محطات الترام مستغرقا في تذكر حوادث الماضي القريب حتى انتبهت إلى أنني نسيت أهم أسباب نزهتي المعتادة والمتصل بمتعتي في تأمل عمائر المنطقة، تلك الطرز المعمارية التي تحملها تلك الجدران الصماء فتبدو أكثر جمالا في الليل، يا الله، كم أبدو غبيا الآن عندما أتذكر أنني أمكث شهورا متناسيا تلك المتعة التي تمدنى بها نزهة لا تكلفني أكثر من ثمن طبق الأرز باللبن

Thursday, March 03, 2005

لعنات

ابن المدينة إن كبر وجبت عليه لذّات
يخوض في بحر البشر ويجاوب الأصوات
ما بين مفارق تاريخ وخرايط الأوقات
شفيع ذنوب الهوى مستوجب اللعنات
تلهب جنانه العماير جدرانها تسحر له
فايت ف ديل البشاير كان شوقه بيدله
صاحب كاسات والصلاة بيظن تغفر له
حار الكلام في الوصف واشتاعت الغنوات
أصله عديد الطباع وملوّن العادات
شاعر ظريف الأسى مستودع الفرحات
يطلب كسور نعمته يشكر نعيم فضله
نفسه تكون رحمته بديله عن عدله
ابن المدينة النّوِر آس التلات ورقات
ابليسنا لما غوى كان يقصده بالذات
خارج عن المحتوى ومُقرر احتمالات
عن وصفنا لطلعته شفناه وسيم أسمر
رسم الزمن خلقته والدم كان أخضر
عابر خفيف الخطى م الفرحة مش أكتر
عاشق بنات المدن والكفر والبندر
خايف من المنتهى عينه على البدايات