Wednesday, July 27, 2005

عن مفهوم الحرية


تسلطت عليّ إشكاليات عدة كانت مرتبطة بصورة أو بأخرى بمفهوم الحرية، ولعل أكثرها تجددا هي تلك المتعلقة بمعنى الحرية ومفهومها لدى النخبة من أصحاب الفكر بمختلف إتجاهاتهم، فالواقع أن هناك فرقاً بين الحرية كعقيدة إجتماعية ، تؤدي إلى نظم وحقوق وواجبات، وبين الحرية (كمنهج فردي) يقوم على أسس فلسفية..
تتمثل الحرية كعقيدة إجتماعية في حرية الناس في إختيارهم لنوع الحياة التي يحبونها متنافية تماما مع الديكتاتورية والتسلط وبالضرورة عن أحادية الفكر والإنصراف عن التعدد واختلاف الرأي، وارتبط مفهوم الحرية كمنهج فردي -الأقدم عهدا- بالنخبة من أهل المعرفة والثقافة الذين وجدوا في أنفسهم القدرة العقلية على الإكتشاف والإبتكار والنقد بلا قيد وقادهم ذلك بالضرورة إلى الكفاح من أجل نشر أفكارهم ومعتقداتهم..
يكشف لنا التأخر في ظهور مفهوم الحرية كعقيدة إجتماعية وتطبيقها فكريا وسياسيا عن اختلاط مفاهيم الحرية لدى النخبة المثقفة على مر العصور برغم اختلاف الأيديولوجيات والمعتقدات، فالفلاسفة الذين وضعوا كل شيء موضع المناقشة الحرة ظهروا قبل حق الانتخاب بقرون..
ولعل ما يظهر لنا من تأكيد بعض أصحاب الفكر على حقهم في عرض فكرهم واتخاذهم موقف المدافع عن تلك الأفكار حتى تصل للعامة يبدو موقفا شاذا إذ وضعنا في الإعتبار اتخاذهم وضع الدفاع عن استبداد وديكتاتورية تظهر جلية لكل ذي عقل سليم، وربما صار التعايش والمداهنة هي الصفات الأقرب لمواقف العديد من أفراد النخبة المثقفة التي اتخذونها بعد أن باتت تناقضاتهم واضحة للعيان..
كيف يثورون لحرية الرأي في نفس الوقت الذين يؤيدون فيه نظام يستبد برأيه ويصادر الحريات جميعا؟
كيف تزعجهم إلى هذا الحد مصادرة رأي كاتب واحد ولا تزعجهم مصادرة الدستور وآراء الناس جميعا؟

Monday, July 18, 2005

حمدا لله على السلامة يا مصطفى


لم أصدق عينيّ عندما رأيته، فبالرغم من صدور الحكم ببراءته منذ أكثر من ثلاث سنوات إلا أن إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين في مثل الإضطراب الذي نمر به حاليا لا يجد لدي تفسيرا معقولا من التفاسير المتاحة وإن كان أحدهم انتحال النظام التجمل لإكتساب بعض الشعبية.

شعرت عندما احتضنته بتحول إيجابي في بنيته الجسدية كرد فعل طبيعي لأكثر من أربع سنوات في المعتقل، يالله، لا يزال باشاً كعادته، لم تبارحه "تهتهته" التي اشتهر بها منذ طفولته وإن صارت خفيضة الصوت إلى حد بعيد، وجدته قد بدا سعيدا بالرغم من الآثار التي تركتها أعوام السجن على وجهه، ربما كانت سعادته تلك مبعثها الإحساس الجديد بالحرية، أخاف عليه عندما تروح السكرة وتجيء الفكرة، عندما يحس بما فقده خلال نصف سنوات عقده الثالث التي ضاعت تحت وطأة ظلم أعمى لا يقيم للحياة وزنا.

لا أستطيع القول بأننا كنا أصدقاء فقد كان يكبرني بأربع سنوات على ما أذكر، كانت الجيرة ولقاءات المسجد والحوارات العابرة المشتركة في شارعنا ولم يكن بيننا غيرها، اختلفنا أكثر من مرة عند الخوض في أمور دينية كانت عنده ليست ذات قابلية للنقاش بينما لاحت بخصوصها بشائر ليبرالية في وجهة نظري، وعلى الرغم من ذلك كان من المستحيل أن أتخيل جنوحه نحو العنف، لعله اندمج غافلا بين بعض المتاجرين بالدين ولكن كانت دماثته حاجزا بيني وبين تصديق ما أتهم به من انتماء لجماعات الإرهاب الأصولية، قد أختلف معه كثيرا فيما يتعلق بنظرتينا للدين ولكني لا أملك إلا أن أقر له بقوة إيمان جعلته يستمر حيا فيما كان غيره لينتهي آدميا وجعلتني أقول له من قلب فرح: حمدا لله على السلامة يا مصطفى.