Tuesday, September 06, 2005

عن فن العامة

دائما ما يلح التساؤل حول مدى اهتمام رجل الشارع العادي بالفنون التشكيلية، فما الذي يمكن أن يشد انتباه ربة بيت أو عامل أو موظف حكومي إلى عمل فني ما، ويستتبع هذا التساؤل تساؤلا آخر حول مدى ارتباط الفنانين بجمهور العامة، ولعل محاولة الإجابة عن هذا التساؤل تعبر بالعادة عن انعزال الفنانين التدريجي عن ما يهم العامة وانشغالهم بقضاياهم الفنية بصرف النظر عن مدى شعبية ما يصلون اليه من منجزات في مجالات التعبير الفني.

كانت تلك التساؤلات هي الدفعة الأساسية لظهور ما يسمى بالـ(pop art) إختصارا لمصطلح (popular art) وهو ما تم تعريفه بفن العامة أو الفن الشعبي، فما أن انتهت الحرب العالمية الأولى بما عاصر تلك الفترة من تقدم تكنولوجي وتحول في أنماط حياة الشعوب حتى ظهرت مع تلك التحولات مجالات أكثر اتساعاً لاحتواء اتجاهات جديدة للفن التشكيلي، وقد عكست حركة فن العامة في أول ظهورها تنامي وسائل الدعاية والإعلان مع ظهور التصوير الفوتوغرافي كوسيط وما أحدثه من حالة إرباك للفن التشكيلي.



كان مجال الإعلان هو المجال الأكثر اتصالا بفن العامة فمع تنامي دوره صار من الطبيعي أن يتم البحث عن وسائل أكثر جذبا للدعاية للمنتجات، فظهر التعبير فنيا عن إعلان لمشروب غازي أو مطعم أو سيارة أو نوعا ما من السجائر، وكان من الضروري أن يؤكد فناني ومصممي الإعلانات على العوامل الجاذبة كالألوان الساخنة الصريحة واستخدام اللون الأسود لتحديد الأشكال وعناصر الصورة وصور الفتيات كما استتبع ذلك استخداما مميز الشكل للكتابات والخطوط.


ذهب فنانو العامة إلى التعبير المثير عن كافة أشكال الخراب والقتل والرياضة والجنس محاولين تشكيل عالما فنيا يجمع كل تلك المتناقضات التي يمر عليها الإنسان في حياته اليومية(1)، وكان محركهم الأساسي لهذا الإتجاه هو وضع ذلك العالم أمام المتلقي لعله يعثر على ما به من مساويء ويحاول انتقادها ويتجه لإصلاحها، وقد ذهب بعضهم إلى الإكثار من استخدام أجزاء الصور الفوتوغرافية لتكوين لوحات كاملة كبداية لما عرف بفن الكولاج مما اعتبره البعض موقفا حياديا باردا لما يحدث من تغيرات جذرية.

ومن صفات فن العامة التعبيرية الوضوح المغالى فيه والذي بدا مناسبا لرسالة هذا الفن ومجالاته، فعند التعبير الدعائي أو إعادة صياغة أعمال فنية شهيرة بروح تناسب العصر الحديث أو تكرار صورة وتغيير ألوانها أو النقد المباشر الحاد لحياة الإنسان المعاصر صار لزاما على الفنانين التعبير بوضوح مطلق عن أفكارهم، ولم يقتصر دور فنان العامة على رصد البيئة التكنولوجية والآلية والصناعية المحيطة به ونقلها إلى لوحته بل قام بالعديد من محاولات التحوير والتطوير, تلك المحاولات التى أضافت الكثير للبيئة فى إطار إضفاء مسحة إنسانية على تلك البيئة التكنولوجية الباردة(2)، بهدف تجميل الحياة اليومية للبشر، والاستجابة لاحتياجات الإنسان المتزايدة وإشباعها، وبالتالى تجاوزت هذه المحاولات إطار اللوحة إلى الشارع والمدينة، ومحطة المواصلات والأنفاق والطائرات والسيارات، وربما لم يفكر أحد في أن تكون تلك الإتجاهات مادة للفن التشكيلي في القرن العشرين.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أعد هذا المقال للنشر في مكان آخر