Tuesday, March 15, 2005

نزهة

كانت تلك هي الفرصة الأولى التي استطعت اقتناصها هذا العام لمعاودة التمتع بعادتي للسير ليلا في شوارع مصر الجديدة في الشتاء، كانت ولا تزال تلك النزهات المنفردة من أحب الأعمال إلى قلبي منذ ما يربو على الثلاثة عشر سنة، استمتعت بطبق الأرز باللبن بالرغم من قلة كمية القشدة التي لم أستطع الإقلاع عن تناولها يوميا بالرغم من أنها –نظرا لعوامل وراثية- قد تودي بحياتي يوما ما، تغيرت وجوه العاملين بالمحل على مدى عدة سنوات وتغير معها مذاق طبقي المفضل
وضعت يدي في جيوب السترة مستمتعا بتسرب الدفء إليهما، عند مروري بناصية شارع اسماعيل رمزي بدأت الذكريات المتراكمة في محاولاتها للتملص من تراصها الأرشيفي داخل ذاكرتي مفسحة مكان لصبي ذو سروال رمادي وقميص أبيض، هأنذا أراها، يخيل إلى أن اللافتة قد أصبحت أصغر من حجمها المعتاد، بالكاد أرى الكتابة من مكاني على الرصيف المقابل "مدرسة مصر الجديدة الإعدادية للبنين"، لا زلت أذكر هذا اليوم في بداية العام الدراسي على نفس الرصيف وابتسامة أخي الأكبر الحانية تودعني لأستقبل عالما جديدا استقبلني بدوره فاتحا لأبواب عقل ومشاعر طفل صغير يخطو منبهرا عابرا لمحيط دائرته الصغيرة المحدودة
عبرت الشارع متخطيا شريط الترام، أخذت ابتسامتي في الإتساع عند مروري بسور "المريلاند"، لقد كانت تلك الحديقة هي ملاذنا عند الهروب –مبكرا أو في منتصف اليوم الدراسي- من المدرسة والتي ظلت محتفظة بوظيفتها تلك حتى المرحلة الثانوية بالرغم من التطور المرحلى الذى طرأ على تلك "التزويغات" من هروب غير مسبب استغله أغلبنا في لعب الكرة إلى هروب مسبب ومحدد الوقت للقاء فتيات المدارس المحيطة
ظللت لمدة ساعتين تقريبا ما بين سير وجلوس على محطات الترام مستغرقا في تذكر حوادث الماضي القريب حتى انتبهت إلى أنني نسيت أهم أسباب نزهتي المعتادة والمتصل بمتعتي في تأمل عمائر المنطقة، تلك الطرز المعمارية التي تحملها تلك الجدران الصماء فتبدو أكثر جمالا في الليل، يا الله، كم أبدو غبيا الآن عندما أتذكر أنني أمكث شهورا متناسيا تلك المتعة التي تمدنى بها نزهة لا تكلفني أكثر من ثمن طبق الأرز باللبن

0 Comments:

Post a Comment

<< Home