Friday, February 18, 2005

أسباب السعادة

منذ أن بدأت مداركي في النضوج ولعدة أعوام تالية ترسخ في ذهني أن إقبالي على الحياة ومرحي الملفت لإنتباه كل من يعرفني والمبالغ فيه أحيانا منبعه الأساسي حالتي الإجتماعية وظروفي التي أتاحت لي التعرف على الكثير من البشر منذ أعوامي الأولى بكثافة لم تتح لأقراني، القدرة على التعايش اذن هي سر السعادة، ولكن مهلا، فهناك من أتيحت لهم نفس ظروفي وقدر لي التعرف عليهم فيما بعد وقد جعلتهم تلك الظروف أميل إلى إزدراء الحياة والعزوف عن الإقبال عليها والتمتع بها، لعلها عوامل وراثية هي التي قادتني لمثل هذا التكوين النفسي، البحث في شخصية وتاريخ والدي محاولة عبثية، فقد أحار هذا الرجل العشرات من معارفه ولم أجد بينهم من يحاول حتى مجرد الإشارة من قريب إلى ملامح محددة لشخصيته، لعله جدي اذن، لقد توفي وأنا في العاشرة ولا زلت أذكره جيدا، نستطيع القول بأن هذا الرجل البشوش المقبل على مباهج الحياة قد امتلك قدرة عجيبة على اللامبالاة الغير مصطنعة، لقد تراكمت الديون حوله وبيعت أرضه ليتحول من مالك إلى مستأجر ويترك مسئولية أولاده في يد أكبرهم عندما بلغ السابعة عشر، لعلي لا أعتقد في نفسي مثل هذه الأخلاق الوضيعة بالرغم من تشابه شخصيتينا في وجوه عدة، دعنا اذن من العوامل الوراثية فقد رفض عقلي تصديقها عموما عند الحديث عن الحالات النفسية، أحيانا أتصور أن بحثي عن أسباب الجوانب الإيجابية في شخصيتي قد يقودنى إلى الحذر بشأنها مما قد يعرضتي لفقد تلك الأسباب "أأكون كالقطة التي أكلت أولادها حرصا عليهم؟", ولكني أعود وأفكر: هل من الممكن أن تكون حالتي الإقتصادية هي السبب؟ دعك من هذا السخف فالأحري بحالة يائسة مثل حالتي تلك أن تبعث على الأسى والإكتئاب بل وربما الإنتحار أيضا، ولم لا يكون ذكائي الفطري – هكذا أدعي لنفسي – هو السبب في توفيقي في التجنب لأسباب التعاسة ومسببات الحزن، انها محاولة نرجسية غبية فهناك من هم أذكى مني وقد قادتهم تعاستهم إلى مصائر قلما تصادف العديد من الأغبياء، أظن أني اذا قمت الآن بالتوجه إلى طبيب نفسي حاملا هواجسي وتساؤلاتي تلك فقد أقابل بالسب بل وربما الضرب أيضا من شخص اعتاد الناس أن يأتوا اليه بمشاكل مبعثها مشاعر الأسى والحزن والإعراض عن الحياة وليس العكس، بل أن مجرد استطرادي الآن في نقل تلك الهواجس إليكم هو نوع من الإثارة السلبية الغير موفقة, ولعلها تنعكس علي فيما بعد لتصبح كالسهم الذي يطلقه صاحبه عموديا ليصيبه عند رجوعه، قد أكون مضجرا أو مبددا للوقت والنشاط العقلي، ولكني بالتأكيد فخور بأني لا أحمل أسبابا لسعادتي

0 Comments:

Post a Comment

<< Home